إعداد: أحمد البشير

جيسيكا ريشلي، مراهقة من ولاية مينيسوتا، تحب القراءة والموسيقى، ومثل غيرها من المراهقات، لديها حساب خاص على مواقع التواصل الاجتماعي مثل «فيسبوك» و«تويتر»، حيث تستخدمها لمشاركة الصور والنكات مع أصدقائها. لكن على تويتر هناك نسخة أخرى من حساب جيسيكا، لا أحد من أصدقائها أو عائلتها يعرفه. ففي حين أن الحسابين يشتركان بالاسم نفسه والصورة والحالة، إلا أن النسخة الأخرى تروج لاستثمارات عقارية في كندا وعملات رقمية. والحساب الوهمي لجيسيكا يعيد تغريد حسابات باللغة العربية والإندونيسية، وهي لغات لا تتكلمها جيسيكا.
وفقاً لما توصل إليه تحقيق لصحيفة «نيويورك تايمز» فإن كل الحسابات تنتمي لعملاء شركة أمريكية غامضة تدعى «ديفومي» جمعت ملايين الدولارات من سوق عالمي يبيع الحسابات الوهمية. وتبيع «ديفومي» متابعين ومغردين على تويتر للمشاهير والشركات وأي شخص يريد أن يصبح ذا شعبية وتأثير على الإنترنت. ومن خلال مخزون يقدر بنحو 3.5 مليون حساب آلي على الأقل تباع كل منها عدة مرات، وفّرت الشركة للعملاء أكثر من 200 مليون متابع على موقع «تويتر».
وتكشف الحسابات التي تشبه إلى حد كبير أشخاصاً حقيقيين، مثل جيسيكا ريشلي، نوعاً من أنواع سرقة الهوية الاجتماعية الواسعة النطاق. وهناك ما لا يقل عن 55 ألف حساب تستخدم أسماء وصوراً وغيرها من التفاصيل الشخصية لمستخدمي تويتر الحقيقيين، بما فيهم قاصرين.
وتعتبر هذه الحسابات، مثل العملات المعدنية المزيفة في اقتصاد مزدهر للنفاذ عبر الإنترنت، حيث إن إمكانية الوصول إلى أي قطاع أو صناعة تقريباً، حتى لو كان عبر الإيهام، يعتبر تجارة بمليارات الدولارات. والحسابات الوهمية والمزيفة التي تنشرها الحكومات والمجرمون ورجال الأعمال، تغزو شبكات التواصل الاجتماعي. وعبر الحسابات، فإن 15% من 48 مليون مستخدم نشط في «تويتر»، هي حسابات مؤتمتة مصممة لمحاكاة أشخاص حقيقيين، على الرغم من أن الشركة تدعي أن العدد أقل.
في نوفمبر 2017، كشف «فيسبوك» للمستثمرين أن الحسابات الوهمية يبلغ عددها ضعف عدد المستخدمين الحقيقيين، مشيراً إلى أن ما يصل إلى 60 مليون حساب آلي تجوب أكبر منصة للإعلام الاجتماعي في العالم. ويمكن لهذه الحسابات المزورة، والمعروفة أيضاً باسم «بوت» أن تساهم في التأثير على الجماهير وإعادة تشكيل المناقشات السياسية، ويمكنها أيضاً الاحتيال على الشركات وتدمير سمعتها، إلاّ أن خلقها وبيعها يقعان بمنطقة رمادية في القانون.
وعلى الرغم من الانتقادات المتزايدة لشركات وسائل التواصل الاجتماعي، وحملات التدقيق التي تجريها هذه الشركات على الحسابات، لا تزال تجارة الحسابات الوهمية والتابعين، غامضة إلى حد كبير، وفي حين أن «تويتر» وغيرها من المنصات التي تحظر شراء الأتباع، إلا أن «ديفومي» والعشرات من الشركات الأخرى تبيعها علناً. كما أن شركات التواصل الاجتماعي، التي ترتبط قيمتها السوقية ارتباطاً وثيقاً بعدد الأشخاص الذين يستخدمون خدماتها، تضع قواعد خاصة للكشف عن الحسابات المزورة والقضاء عليها.
واستعرضت «نيويورك تايمز» سجلات أعمال وأوراق من المحكمة تبين أن «ديفومي» لديها أكثر من 200 ألف عميل، بما في ذلك نجوم تلفزيون الواقع ورياضيين وكوميديين ورجال دين ومتحدثين وعارضات أزياء.
وفي الوقت الذي تتصارع فيه «فيسبوك» و«تويتر» و«جوجل» مع وباء التلاعب السياسي والأخبار المزيفة، فإن أتباع «ديفومي» المزيفيين يخدمون أيضاً كجنودا غير مرئيين في معارك سياسية على الإنترنت.
في العام الماضي، استخدم 3 مليارات شخص شبكات التواصل الاجتماعي مثل «فيسبوك» و«واتسأب» و«سينا ويبو». وهذا الأهم أعاد تشكيل قائمة شركات «فورتشن 500»، وعزز قطاع الإعلام.
وتعد أعداد المتابعين غاية في الأهمية بالنسبة لمن يسمون ب «المؤثرين»، وهو سوق ناشئ لصانعي المحتوى ونجوم اليوتيوب، حيث تدفع لهم شركات الإعلان مليارات الدولارات سنوياً في صفقات رعاية. وكلما زاد عدد متابعي هؤلاء «المؤثرين» كلما زاد المال الذي يتلقونه.
والشهرة الحقيقية في كثير من الأحيان تترجم إلى تأثير حقيقي في وسائل الإعلام الحقيقية، لكن هناك دائماً طريق مختصرة، فمن خلال مواقع مثل Social Envy وDIYLikes
فالأمر لا يتطلب إلاّ بطاقة ائتمان لشراء المتابعين.
ولفهم أفضل لأعمال شركة «ديفومي»، أجرت «نيويورك تايمز» تجربة وأنشأت حساباً وهمياً على «تويتر» ودفعت 225 دولاراً ل «ديفومي» مقابل الحصول على 25 ألف متابع. وعلى نحو ما هو معلن، كان أول 10 آلاف حساب كما لو أنها حقيقية تحمل أسماء أشخاص حقيقيين بصورهم وأسمائهم الكاملة وعنوانهم، في حين أن ال 15 ألف متابع المتبقين كانوا وهميين بشكل واضح، حيث لا تحتوي حساباتهم على صور شخصية وكانت أسماؤهم غير حقيقية ومكونة من أرقام وحروف مبعثرة.


أدخل بريدك الالكتروني للحصول على أخر المستجدات

إرسال تعليق

 
Top