إثناء أحداث أيلول 2006 والعدوان الصهيوني على لبنان ،حمل معه الكثير من الأفكار ،التي تستحق التوقف ،والتساؤل عن كيفية انتشار هكذا أفكار،ومن كان خلف انتشارها ، والتي بلورت بوضوح روح الخطاب المتشدد لجماعة 14 آذار في لبنان ،المتوافق بالشكل والمحتوي مع العديد من الشخصيات السورية التي عملت وتعمل بالشأن العام ،سواء ضمن هيئات حزبية أو كمستقلين .

من هذه الأفكار التي روج لها فكرة الخطر القادم من الشرق المتخلف ،والمحمل بأفكار لا تنسجم مع  ثقافات مجتمعاتنا المعتدلة ،والتي تعايشت تاريخيا مع ثقافات واديان عديدة   متعددة ،لم يذكر أصحاب هذه الأفكار سوى التعايش الايجابي بين شعوب واديان أبناء المنطقة ،بمختلف انتماءاتهم. لم يتذكر احتلال تركيا للوطن العربي وما حمل معه من ويلات ومأسي على المنطقة .مبررين ذلك بالخلافة الإسلامية التي يعتز بها العديد من حملة هذه الأفكار ،رغم انحدارهم من إيديولوجيات وأحزاب قومية وماركسية يسارية وعلمانية!

لقد حمل هذه الأفكار العديد من الشخصيات ،التي كانت تتمتع باحترام وتقدير شديدين من قبل أوساط واسعة  بالمجتمع السوري . فأصبحت هذه الأفكار ، تنتعش تدريجيا بظل علاقات جيدا جدا مع الجارة التركية ،ترافق ذلك مع انفتاح غير مسبوق، لعلاقات اقتصادية تميزت بدخول جميع الصناعات التركية الحديثة والتقليدية ، على الأسواق السورية، وعلاقات سياحية متميزة حتى أصبح التسوق من تركيا لأبناء محافظات الجوار، أكثر سهولة من التسوق من العاصمة دمشق.

لم تتأخر أو تغيب نوايا من حمل هذه الأفكار وروج لها ،حتى ظهرت بمناسبات عديدة تشير إلى خطورة العلاقات مع الجمهورية الإسلامية في إيران   ، والخطر التي تشكله هذه العلاقات، سواء الدولية أو الشعبية.رافق ذلك مقارنات عديدة ،بين خطورة العدو الصهيوني على المنطقة العربية ،وخطورة الطموحات الإيرانية على المنطقة ،باستخدام طريقة الغمز على تحالف سري بين الكيان الصهيوني من جهة والجمهورية الإسلامية في إيران من جهة ثانية.

لقد حاول من أنتج هذه الأفكار، ومن حملها وروج لها، تكريس وعي جديد وثقافة جديدة، في الساحات العربية بشكل عام، والساحة السورية بشكل خاص . تفيد بالتركيز على خطورة الدور الإيراني “ألصفوي”  على شعوب المنطقة بالمقارنة مع دور الكيان الصهيوني ،الذي لا يمكن له أن يشكل أية خطورة ،على المنطقة العربية رغم انه مازال محتلا لأراضي أكثر من دولة عربية ! و أثار حرب تموز 2006 لم تنسى، ولم تجف دموع الأمهات على أبناءها بعد   .”هذا ما يردده أصحاب هذه الافكار”!

إن غاية التضليل وخلق انزياحات عميقة بالوعي الوطني العربي بشكل عام ،والسوري بشكل خاص ، وتشتيت الذهنية العربية، وحرفها عن أهدافها ،  بغية تضليلها وتهيأتها للتطبيع مع الكيان الصهيوني.   وإقامة تحالف جديد في المنطقة العربية ،تقوده السعودية شكلا وتموله ،يعمل على إقامة أفضل العلاقات مع الكيان الصهيوني، برعاية تركية ومباركة أمريكية.  هذا كل ما تسعي   إليه معظم دول الخليج المتحالفة مع السعودية والتي كانت ،وما زالت تقيم أفضل العلاقات مع الكيان الصهيوني .

جميع هذه الأفكار التي تحدثنا عنها ،والتي ظهرت كغيوم في الأجواء العربية.لم تعطها السلطات والحكومات العربية الغارقة بتكديس الثروات ،الأهمية الكافية لتخف آثارها السلبية بأقل تقدير .فجاءت أحداث “ما يسمى بالربيع العربي”لتهطل أمطار تلك الغيوم، التي   حملت معها ليس انزياحا وطنيا وحسب ،لقد حملت معها انزياحا أخلاقيا واجتماعيا وفكريا ، وأظهرت التطرف الديني الحقيقي، المستبطن عند العديد من البشر ، وفي مقدمتهم دعاة الثقافة والسياسة .التي كشفت الأحداث في سوريا، مقدار النفاق الذي كانت تتمتع به العيد من الشخصيا، التي سارعت للانتقال من ضفة لضفة أخرى نقيضه .

 لقد كشفت الأحداث السورية عمق الانزياح، والاستبطان والتقية ،التي مارستها شرائح اجتماعية واسعة  في سوريا. تجعلنا نعيد النظر والمراجعة ،على العديد من الأفكار التي تداولها المثقفون السوريون، خلال المرحلة التي سبقت “ما يسمى الربيع العربي”!

لذلك أصبحت إعادة التقييم والمراجعة ، على العديد من الأفكار ،والمواقف والتصرفات التي حصلت قبل وأثناء الازمة بسوريا ،أمرا بغاية الأهمية بغية تصوب .بعض الأفكار وضبط معظم الأفعال التي ساهمت بالتخريب وأوقعت الاذي على المجتمع والوطن .

إن إعادة المراجعة والتقييم، بغية الانتقال لسوريا الجديدة ،لا تخص شريحة بعينها ،حيث أن المسؤولية  الوطنية ليست على شريحة اجتماعية أو سياسية دون غيرها . فالمطلوب من جميع ، شرائح المجتمع السوري بانقسامه الثلاثي “سلطة –موالاة \معارضة \ومجتمع مدني .إعادة المراجعة والبحث عن إمكانية تصحيح بعض الأخطاء التي ارتكبت خلال السنوات السبعة الماضية.

*كاتب من سوريا*

أدخل بريدك الالكتروني للحصول على أخر المستجدات

إرسال تعليق

 
Top